18‏/10‏/2012

إخوان» سوريا وقيادة العمليات في الخفاء: كتائب في «الجيش الحر» نسخة عن «الطليعة المقاتلة»

شبكة أخبار كيكان - يشكل الإخوان المسلمون أحد أضلاع مربع خبر الصراع في سوريا منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وبينما سبقه في ذلك كل من الشيوعيين والقوميين، كان البعثيون وتيار «الإخوان» هم القادمين الجدد آنذاك إلى سوريا الخارجة للتو من الاستقلال، ليتعاظم نفوذهم تدريجياً ويصبح لهم قاعدة شعبية، وصولاً إلى معارك طاحنة إبان حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد انتهت بحماه، وغادر معها قادة «الإخوان».
ومع وصول رياح «التغيير العربي» إلى سوريا، تأمل جماعة «الإخوان» ان يكون بمقدورها إطاحة نظام شكل عقبة أساسية بالنسبة لها، ودفعها لاستخدام مختلف الوسائل لمقارعته، من دون أن يلحظ أحد حضورها على الساحة السياسية منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية، فيما تكشف عدة حقائق ومعطيات أنها القطب المخفي في الثورة السورية، وان لعبة التستر، التي دأب أنصار حسن البنا على ممارستها باحتراف لعقود، وفي عدة بلدان، لن تكون صعبة في سوريا التي قرر قادة «الإخوان» فيها استعادة زمن الثمانينات بروح العصر الحديث، فبدت سيطرة الجماعة على مفاصل كبيرة في الثورة السورية، سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، مسألة واضحة لا لبس فيها، تبدأ بالخطاب السياسي وتمر بشراء الولاءات العسكرية والشخصية، وربما ما هو أعظم، مروراً بدعم كتائب عسكرية في «الجيش الحر» دون غيرها، وصولاً إلى خطاب إعلامي قائم على الإقصاء والتخوين وتسويق أوهام وحلول قد تأتي متأخرة وقد لا تصل.
السطور التالية ستحاول رصد الجوانب السياسية والعسكرية والإعلامية للإخوان المسلمين في سوريا، ضمن مفاصل الاحتجاجات الشعبية.

الجماعة بين الثمانينيات واليوم

في مواثيق «الإخوان» يعتبر السعي للإصلاح وفق منظور إسلامي هدفاً أساسيا للجماعة، لكن وقائع التاريخ السوري المعاصر تكشف ما هو خلاف ذلك، فمع نهاية السبعينيات عاشت البلاد معارك دامية بين الطليعة المقاتلة، أي الجناح العسكري للجماعة، ونظام الرئيس الراحل، الغارق آنذاك في دخوله الساحة اللبنانية وعلاقته المتوترة مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وحركة فتح الفلسطينية، لكن اشتعال الجبهة الداخلية آنذاك لم يكن في الحسبان، ما فتح الباب جلياً للتنظيم المقاتل بعمليات عسكرية واسعة استهدفت مختلف المناطق السورية، رد عليها النظام بحملات طالت مدناً عدة، على أن المعركة الكبرى كانت في حماه في العام 1982، حيث انتهت بانتصار عسكري.


لكن المتتبع للمسألة الإخوانية سيلاحظ التركيز في الانشقاقات التي أصابت الجسد الإخواني منذ الستينيات، وتحديداً إبان وصول حزب «البعث» الى السلطة في الثامن من آذار سنة 1963، حيث كان مبدأ الجماعة العمل وفق أطر سلمية، لكن أصواتاً كثيرة تداعت منذ ذلك الوقت إلى استخدام العنف كوسيلة لمقارعة النظام، مستندين الى فكر شخصيات دينية في مصر طرحت مبدأ السلفية الجهادية، أمثال سيد قطب. وتضاعف الأمر حين عمد أحد كوادر «الإخوان» آنذاك مروان حديد (سيقوم بعد سنوات بتأسيس الطليعة المقاتلة) إلى الاعتصام والدعوة للإضراب في حماه، وهو ما لم تقبل به الجماعة، فاعتقل مروان لفترة، دعا بعدها علناً للتحول إلى العمل العسكري. لكن الامر جوبه باعتراض شديد من القيادات، التي رأت ان لا مصلحة بزج الجماعة في معركة مع السلطة، وهو ما لم يرق لكثيرين كانوا مصممين على العمل المسلح فأعلنوا الابتعاد عن ركب «الإخوان» الذين حذروا كوادرهم من التعاطي مع المنشقين، ولو ظاهرياً.
وبدأت ملامح تنظيم مسلح تبرز، خاصة في بداية السبعينيات، وهو ما عرف لاحقاً بـ«الطليعة المقاتلة»، التي اتبعت مبدأ يسير عليه إلى حد كبير «الجيش الحر» في هذه الأيام، وهو الاعتماد على الحاضنة الاجتماعية، فكانت معظم مقارّهم وتدريباتهم في مناطق يحظون بها بدعم السكان، كريف دمشق وحلب وحماه، حيث كانوا يتجولون بحرية ونجحوا في جذب العديد من المقاتلين الجدد، مستغلين اعتقال النظام بعض رفاقهم أو قتلهم.


ونجحت الجماعة المسلحة في اختراق شرائح عدة في المجتمع السوري آنذاك، بما فيها المؤسسة العسكرية، وكان مقاتلوها يناصبون العداء لكوادر حزب «البعث» وأفراد القوات المسلحة السورية الذين كانوا هدفاً مباشراً لعمليات الاغتيال، حتى توجت ذلك بعملية عسكرية استهدفت مدرسة المدفعية في حلب في العام 1979، وقتل على أثرها العشرات من الضباط، لتكون الشرارة لعملية أمنية واسعة النطاق استهدفت حلب وحماه خاصة، وخلصت إلى نزع الحاضنة الاجتماعية عن «الطليعة المقاتلة» بهدف تسريع التخلص منها، وهو ما أخفقت به السلطة بداية قبل أن تنجح لاحقاً مع اشتداد العمليات، التي لم تطل «الطليعة المقاتلة» فحسب، بل ستستهدف البنية الاجتماعية لجماعة الإخوان المسلمين ككل، بحجة تعاطفهم مع الجناح المسلح، فكانت النتيجة هروب جزء من الكوادر إلى الخارج واعتقال آخرين وتصفيتهم، على أن النظام قد أفرج لاحقاً عن عدد منهم مع الحفاظ على قانون يحكم بالإعدام على كل منتسب لـ«الإخوان».


وبانعكاس هذا التاريخ على المشهد السوري، لا بد من الإشارة إلى أن «الإخوان» ظهروا في بداية «الثورة» فاقدي الرؤية، أو على الأقل هذا ما أظهروه، خاصة أن تاريخ الخامس عشر من آذار سبقه موعد لتجمع قرب مبنى البرلمان تحت شعار «يوم الغضب السوري»، وكان ذلك في الخامس من شباط، لكن انشغال الناس بالثورة المصرية من جهة والنزعة الطائفية التي ظهرت في الدعوات للحشد، أفرغت التحرك تماماً، فلم يخرج أحد. يضاف إلى ذلك ما أشار إليه العديد من أبناء درعا بأن أحداً في حوران لم يكن على علم مسبق بالتحضير لتحرك في دمشق، فيما كانوا منشغلين بقضية اعتقال أطفالهم، وهي الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات السورية.
ويظهر حراك «الإخوان» الحقيقي مع نهاية نيسان، حيث عقدوا اجتماعهم للمرة الأولى في اسطنبول، وهو ما اعتبر بداية النهاية لشهر العسل السوري - التركي، قبل أن يخطو المعارضون الإسلاميون خطوة أبعد، بعقد مؤتمر للمعارضة في انطاليا وضع أول خطط إسقاط النظام، وهو ما أعطى بدوره إشارة البدء لنشاط «الإخوان» بالظهور للعلن، ليتلوه مؤتمر آخر في اسطنبول مطعّم هذه المرة بوجوه ليبرالية كهيثم المالح وبرهان غليون وشخصيات كردية.

«الإخوان» و«الجيش الحر»

لكن كل هذه التحركات لم تكن كافية للبحث أكثر في رؤية «الإخوان» السياسية، أو دورهم، بل لم تكن أي تشكيلات للمعارضة السياسية أو المسلحة قد برزت إلى العلن، لكن التحول الأول في مسار «الثورة» والذي كان في أيلول الماضي، أعطى بداية الملامح لخطة عمل الجماعة سياسياً وعسكرياً، فأصبح هناك تجمع لضباط وجنود منشقين عن الجيش النظامي سيشكلون لاحقاً نواة لكتائب تتجمع تحت راية «الجيش السوري الحر».


كما بدأت طلائع تكوين هيئة سياسية معارضة تمثل الشارع، ومعهم أيضا أطلقت الأصوات الإعلامية المواكبة لـ«الثورة» نداءاتها للخارج بالحماية الدولية. وفي هذا السياق يشير العديد من نشطاء الداخل إلى تحول ما أصاب الجسم الثائر في الداخل، فغادرت عشرات الشخصيات، أو تم تغييبها، مقابل ظهور أصوات تقترب من لغة جديدة تميل للعسكرة والتقرب من المجتمع الدولي، طمعاً في الحظر الجوي أو المنطقة العازلة. وهذه الأصوات أخذت تتزايد تدريجيا، لتشمل تنسيقيات و«هيئات ثورية كبرى»، بالإضافة إلى نشطاء فرضوا أنفسهم، بالتعاون مع دعم إعلامي خارجي لا محدود، استهدف إبراز شخصيات على حساب أخرى تعرضت للتخوين والاستبعاد من «الحراك الثوري»، هذا إن لم تتم مساواتها بالنظام على حد تعبير البعض، ولتكتمل الصورة مع إطلاق «المجلس الوطني السوري» ومعه حملة تعبوية تستهدف حشد الدعم له وتخوين باقي فئات المعارضة، ثم الميل أكثر للعسكرة، من دون أي تبيان لأهدافها، مترافقاً مع مسألة يثيرها اليوم نشطاء الداخل وتتمثل بشراء الولاءات لأشخاص وعائلات وفي بعض الأحيان قرى بأكملها.
كل هذه الأمور، بالإضافة إلى حملة الدعم للمجلس الوطني، ذات الهيكل «الإخواني»، بدأت تعطي إشارات واضحة لدور يؤديه «الإخوان» في الخفاء، بقصد السيطرة المطلقة على مختلف مفاصل «الثورة» السورية، حتى مع اتجاهها للعسكرة التي باركها قادة الجماعة، ومضوا أبعد من حشد الدعم الإعلامي لكتائب معينة. فقد أعلن القيادي في «الإخوان» ملهم الدروبي إطلاقهم عدة كتائب، كإعادة لتشكيل «الطليعة المقاتلة». وتعتبر هذه الكتائب كاملة العدد، من حيث التنظيم والتمويل والتسليح. وبالرغم من أنها تنسق مع «الجيش الحر»، على حد قول الدروبي، لكن نشطاء في الداخل، وخاصة في حمص وحماه، أشاروا إلى رفضها الاتحاد مع باقي الفصائل، بل اشترطت عليهم الانضمام تحت رايتها.


ورغم رفض النشطاء الاشارة إلى الكتائب التي تلقى دعماً مباشراً من «الإخوان»، إلا أن إشارات عديدة تتجه إلى «كتيبة الفاروق» في حمص، والتي امتدت الى مدن سورية اخرى لاحقاً، بالرغم من اعتبار ناشطين مقربين من «الفاروق» ان لا علاقة لها بالجماعة، بل تتلقى دعماً مباشراً من دول بعينها، ما يبقي دور الجماعة الإسلامية مخفياً، رغم إعلانها صراحة تأييدها العسكرة وحق الدفاع عن النفس على حد قولها، لكن تاريخ «الإخوان المسلمين» يشير دوماً إلى اتخاذهم موقفاً غامضاً ودفع حلفائهم للتصريح بما لا يشاؤون قوله.


ولعل هذا الامر ينسحب على العلاقة مع الاتراك. فبالرغم من الغزل المتواصل بين «الإخوان» عموماً وحكام تركيا، فإن العلاقة بين الطرفين ليست حديثة العهد، وإن شهدت حالات مد وجزر تبعاً لتبدل السلطة في أرض العثمانيين. هكذا انطلقت وساطات عدة قادها الاتراك مع السلطة في الثمانينيات لتسوية ملف «الإخوان» من دون جدوى، لكن في المقابل كانت قنوات الاتصال التركية - الإخوانية قد سلكت طريقها، حتى وصلت ذروتها مع وصول «حزب العدالة والتنمية» الذي فتح بالمقابل سنوات العسل مع النظام السوري، وعمل على تمرير ملف المصالحة مع «الإخوان» من دون اختراق يذكر في هذا الصعيد، لكنه من جهة أخرى نجح لدى الإسلاميين بنشر نهج جديد يتمثل بالنموذج التركي القائم على الغزل المستمر بين العلمانية والإسلام المجتمعي المعتدل، ما قدم تركيا بصورة حضارية لفتت أنظار العرب، وخاصة الإسلاميين الذين اقتربوا من الحكم بعد «الربيع العربي» وبات عليهم تقديم صورة معتدلة تدفع المجتمع لتقبلهم أكثر، فكان الخيار التركي جاهزا.
وبالعودة لإخوان سوريا، فقد بدا الرهان المتبادل بينهم وبين الأتراك على دور قد يؤديه كل منهما واضحاً جدا، بدءاً من فتح أنقرة أراضيها لاجتماعات «الإخوان» والمعارضة، مرورا بالضغط المتواصل وبمختلف الأساليب على دمشق على الرغم من أن حكام بلاد السلطنة لم يفصحوا مباشرة عن دعمهم للتيار الإسلامي السوري، بقدر ما أبدو دعماً كبيراً للمجلس الوطني ومؤخراً لشخصيات من النظام كفاروق الشرع، لكن هذا لن يلغي العلاقة المتوطدة بين الأتراك والجماعة الإسلامية بهدف خلق بديل قريب من «حزب العدالة والتنمية» وقادر على تسويق النموذج التركي أكثر من باقي الدول الأخرى، ربما بحكم التشابه في الجغرافيا والسكان بين تركيا وسوريا، ليبقى التساؤل الأكبر هو مدى شعبية «الإخوان» في الشارع السوري وهل يتمكن قادة الجماعة من الوصول إلى السلطة بدعم تركي وعربي؟ خصوصاً أن جزءاً كبيراً من الشعب في الداخل ما زال يعتبر نفسه غير معني بالمسألة الإخوانية، بل يمضي أكثر حين يحاول الكثير من أبناء المناطق، التي شهدت انتشاراً لهم في الثمانينيات، التخلص من الإرث «الإخواني» وإبعاده عنهم. ولعل هذه مؤشرات تدعم فرضية العمل المستتر لجماعة الإخوان المسلمين وعدم ظهورهم للعلن حتى اللحظة.
تقرير
مراقبون

الأكثر قراءة - الأكثر مشاركة

شبكة أخبار كيكان - موقع الخبر من موقع الحدث
شارك و انضم الى صفحتنل التفاعلية على الفيس بوك
جريدة كيكان نيوز

شبكة أخبار كيكان. جميع الحقوق محفوظة. - موقع أخباري سياسي كوردي مستقل ناطق باللغة العربية