29‏/07‏/2012

جمعية الاقتصاديين الكرد في سوريا:"أثر العقلوبات على الاقتصاد الكلي في سورية"

شبكة أخبار كيكان -اُلقي في منتدى اوصمان صبري في قامشلو محاضرة لجمعية الاقتصاديين الكرد في سوريا بتاريخ 27-7-2012 بعنوان "أثر العقوبات على الاقتصاد الكلي في سورية" وذلك بحضور عدد كبير من منظمات المجتمع المدني، وبعض الاحزاب الكردية، ودار نقاشات بين الحضور والمحاضر كما كان هناك مداخلات من العديد من الأكاديميين.

أثر العقوبات على الاقتصاد الكلي في سورية

جمعية الاقتصاديين الكرد في سوريا

مقدمة:

ليست مسألة العقوبات أمراً جديداً على سورية,                            

فقد بدأت أمريكا بفرض عقوبات على سورية                       

في عام 1980 على خلفية تصنيفها كدولة


داعمة للإرهاب , وفي عام 2006 فرضت

  بعض العقوبات على خلفية اغتيال الحريري,

والمرحلة الجديدة من العقوبات بدء بها منذ نيسان 2011 العقوبات الجديدة في مجملها حزمة متضافرة  من السياسات تقوم على محاولة إضعاف النظام, وتقليص قدراته سياسياً في الحد الأدنى, وفتح الباب أمام عملية انهياره كحد أعلى, عبر بوابة العقوبات الاقتصادية .

إن الأثر الاقتصادي الخالص للعقوبات يتداخل مع الأثر السياسي. ذلك أن العقوبات تستهدف إلحاق خلل بنيوي بالتوازن الكلي للاقتصاد السوري (توازن الموازنة العامة , توازن ميزان المدفوعات, سعر الصرف والاحتياطي وفقاً لمعايير الحيطة الدولية , الدين , التضخم, البطالة , الكتلة النقدية..), الذي ينتج عنه مباشرة اهتزاز البنية الاقتصادية الاجتماعية السياسية, ووضعها في حالة أزمة بنيوية. وفي النهاية فإن التوازن الاقتصادي الكلي في أي بلد هو تعبير اقتصادي عن الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

في تناولنا لموضع العقوبات على الاقتصاد الكلي في سورية سنركز بداية على مدى قدرة الاقتصاد السوري على مقاومة العقوبات, ومن ثم سنركز على القطاع الأكثر تأثراً بالعقوبات وهو قطاع النفط , ومن ثم اثر العقوبات على بعض مؤشرات التوازن الاقتصادي الكلي مثل الاحتياطي من العملات الأجنبية وسعر الصرف والتضخم و عجز الموازنة .

تأثير العقوبات والانكشاف الاقتصادي:

يرتبط مدى تأثر أي اقتصاد على بالعقوبات على حجم الاقتصاد وتنوعه وقدراته ومرونته ومدى انكشافه على الخارج. فقد بلغ  الناتج المحلي الصافي بتكلفة عوامل الإنتاج (2661818) مليون ليرة  سورية  في عام 2010, بلغت حصة الفرد منها (126649) ل.س. وبمقاييس الدولار بلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي بالدولار /2857/ وتحتل سورية المرتبة 14 بين الدول العربية وتأتي قبل مصر والسودان وجيبوتي وموريتانيا وجزر القمر. بلغ معدل النمو الاقتصادي في سورية /6%/ عام 2009 و /3.2%/ عام 2010 ورغم أن معدل عام 2009  يعتبر مقبولاً لكن معدل 2010  ضعيف, حيث تحتاج سورية في الحدود الدنيا إلى معدل نمو سنوي 6%. وقد بلغ معدل البطالة /9.2%/ عام 2009 و/8.4%/ عام 2010 ومعدلات البطالة هذه تعتبر عالية جداً (وهذه الأرقام رسمية بينما الأرقام غير الرسمية تشير إلى معدل بطالة يتجاوز 24%). وبلغ معدل التضخم /2.8%/ عام 2009 و/4.4%/ عام 2010 وهو معدل متهاودة نسبياً لكن هذه الأرقام رسمية (وهناك ارقام غير رسمية  تفيد بأن التضخم يتجاوز 10% وهو معدل مرتفع ).

إن حجم التجارة الخارجية نسبة لمجمل الناتج المحلي يبين مقدار  انكشاف الاقتصاد للخارج ومن ثم تأثره بالمتغيرات الخارجية ومن بينها  العقوبات الاقتصادية. وكذلك فإن رصيد الميزان التجاري مع رصيد حساب رأس المال  يشكلان رصيد ميزان المدفوعات وهو يمثل حركة الاحتياطي من العملات الأجنبية التي تدعم بدورها سعر الصرف.

وعلى مستوى الانكشاف تجاه الخارج فإن عملية إعادة هيكلة الاقتصاد السوري وتحرير التجارة الخارجية بسرعة بلغت الصادرات /569063.5/ مليون ليرة عام 2010 والمستوردات /812208.7/ مليون ليرة  في نفس العام , ومن ثم فإن درجة الانكشاف الاقتصادي  في سورية [(الصادرات + الواردات)÷ الناتج المحلي ]  51.89% وهي درجة انكشاف عالية . ومن الواضح أن هناك حوالي /243145.2/ مليون ليرة عجز في الميزان التجاري إي حوالي 30%. وبلغ حجم الاحتياطي المتراكم مع بداية الاحداث حوالي /20/ مليار دولار ,  وكانت هناك درجة  من الاستقرار في سعر الصرف.

الأثر على قطاع النفط:

تستهدف العقوبات شل المصدر الأساسي لإيرادات الموازنة العامة للدولة وللناتج المحلي, وهو قطاع النفط والطاقة. حيث يشكل النفط 22% من إيرادات الموازنة العامة , والصادرات النفطية (95% منها تتجه لدول الاتحاد الأوربي) وتتراوح إيرادات الصادرات النفطية ما بين 16-17% من مجمل الصادرات , ومن ثم هي عنصر مهم في توازن الميزان التجاري وميزان المدفوعات.  

تعد العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة من أخطر العقوبات لأثرها المباشر في التوازن الكلي, وقد وصل الأمر لدرجة تلاشي الصادرات من النفط الخام تقريباً بسبب تراجع حجم الإنتاج, نتيجة تراجع الإنتاج وصعوبة العثور على مستوردين أو موردين للمشتقات (لأنهم سيعرضون أنفسهم للعقوبات). ومقابل حرمان سورية من عوائد الصادرات النفطية اصبحت أعباء تمويل الحاجة من المشتقات (الديزل والبنزين والغاز) كبيراً حيث تبلغ الحاجة للديزل لوحده 1.8 مليار.

الأثر على الاحتياطيات الأجنبية:

إن رصيد الميزان التجاري مع رصيد حساب رأس المال يشكلان حركة الاحتياطي أساساً قبل الأزمة كان هناك عجز في الميزان التجاري بحدود 30% , ومع العقوبات انخفضت عوائد الصادرات 16-17%, هذا يعني ارتفاع العجز في الميزان التجاري إلى حدود 40% وهذا يحتاج للتمويل, . يضاف إلى ذلك أنه بالنسبة لمستوى الإيرادات المتوقعة لعام 2012, خسرت الموازنة ما يقارب 12.5%  من إيراداتها المتوقعة, وفي حال عدم التمكن من بيع النفط في السوق السوداء, ستكون سورية مضطرة للاعتماد على احتياطيها من العملة الأجنبية التي تعرضت لتآكل كبير خلال الفترة الماضية. ويؤدي الاعتماد على احتياطيات العملة الأجنبية إلى المزيد من الضغوط على الاحتياطي, الذي بلغ أواخر آب 2011 مقدار /18/ مليار ويكفي لتمويل الواردات على مدى سنتين تقريباً, والمعيار الدولي لكفاية الاحتياطي هو تمويل الواردات لثلاثة أشهر.

وقد باع البنك المركزي جزء كبير من هذا الاحتياطي في ضوء اضطراب سعر الصرف أواخر تشرين الأول (أرقام رسمية) بحدود /4.9/ مليار دولار ومن ثم يكون المتبقي هو بحدود /12/ مليار دولار .  وإذا أخذنا في الحسبان ما أنفقه البنك المركزي بأسلوب المزادات لمحاولة للجم تراجع سعر الصرف, فإنا الاحتياطي بحوالي /10/ مليار (نهاية الشهر الثاني 2012, وهناك تقديرات أنه وصل إلى حوالي 6 مليار دولار). وهذا الرقم يكفي للمستوردات لمدة سنة غير أنه احتياطي يتعرض لمخاطر الاستنزاف وارتفاع وتيرة التناقص. وبتأثير الحجم الكبير للتدخل في سعر الصرف وما كلفه من سحب الاحتياطي تم إلغاء طريقة المزادات, التي استفادت منها حفنة ضئيلة من المزايدين أكثر مما استفاد منه سعر الصرف, وفاحت من هذه المزادات روائح الفساد المألوفة في نظام بيروقراطي وسياسي بات الفساد خاصية بنيوية فيه.  وتوقف البنك المركزي عن تمويل مستوردات القطاع الخاص التي يعادل تمويله لها 40% من مجمل المستوردات, واستمرت في تمويل استيراد المواد الأولية التي يقل رسمها الجمركية عن 1%.

مع مطلع عام 2012 اتضح المفعول السلبي لسياسة المصرف المركزي في استنزاف العملة الاجنبية وبداية بروز أثر العقوبات بصفة ملموسة على الاحتياطي, فلجأ لخطوة مفاجئة لأوساط الأعمال وهي إيقاف المصارف الخاصة لكافة عمليات بيع القطع الأجنبي مقابل الليرة. باعتبار أن سياسة البيع قد أعدت بناء على اعتقاد أنه سوف يتم التغلب على الثورة خلال فترة قصيرة لا بأس أن تظهر الدولة خلال بمظهر الواثق من نفسه.

لكن الاضطراب الذي ساد سلوك الحكومة السورية وأجهزتها النقدية والملية تجاه آثار العقوبات انعكس مباشرة على تدخل الحكومة , واستثنائها من قرار المصرف المركزي بوقف تمويل الاستيراد 129 مادة غذائية وطبية فقط من المواد التي لا يزيد رسومها الجمركية عن 1% مع بعض المواد الطبية والغذائية الاستراتيجية التي يبلغ رسمها الجمركي 2% و5% و10%. وكان هذا لاضطراب جزءاً من السلوك الاضطرابي الذي سلكته الحكومة السورية, مما كان له آثار نفسية كبيرة على الثقة في مدى وضوح سياساتها, وجسد ذلك في حد ذاته تحقيقاً لأحد أبرز أهداف العقوبات, وهو تحقيق الأثر النفسي الذي ينعكس بدوره على سو القطع خصوصاً, ويهز الثقة بمدى استقرار توازنات الاقتصاد الكلي.

الأثر على سعر الصرف وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية(التضخم):

نتيجة ما تقدم انخفض سعر صرف الليرة السورية بمعدل لا يقل عن 39% ويسير باتجاه الانخفاض, مما ينقص تلقائيا قيمتها الشرائية اتجاه المنتجات المستوردة أو الوطنية التي تعتمد على مدخلات مستوردة.  نتج عن ذلك ارتفاع سلة الأسعار وسطياً بمعدل يتراوح بين 22-30%, مع أن ارتفاع الأسعار لا يرجع فقط إلى سعر الصرف.

الأثر على عجز الموازنة:

يترافق نقص موارد الحكومة في موازنة عام 2012 بدرجة كبيرة مع ارتفاع وتيرة الإنفاق الجاري نتيجة الركود الاقتصادي منذ عام 2010  ومعدل النمو السالب , مما يرفع من عجز الموازنة إلى مستويات مرتفعة. حيث بلغت موازنة عام 2012 حوالي 26.5 مليار دولار بعجز أولي يزيد عن 27% من إجمالي الموازنة. بالإضافة لذلك هناك تراجع في الإيرادات الجارية غير النفطية , الضريبة خاصة, إلى النصف (من 452 مليار ليرة إلى 212). يضاف إلى ذلك ارتفاع النفقات العمليات العسكرية.  لذلك سوف تعتمد على السحب من الاحتياطي والموارد الخارجية بما يزيد عن 39% من إجمالي  الإيرادات, بالإضافة للتمويل التضخمي, وهذه الهشاشة في الموازنة ستنعكس على المؤشرات الاخرى.

استمرار الركود:

أن التحدي الأكبر الذي سيوجهه الاقتصاد السوري عام 2012 هو النمو السالب في الوقت الذي يحتاج لتحقيق معدل نمو اقتصادي لا يقل عن 6%, لمجاراة الزيادة السكانية(2.5%). ويشير آخر تقرير لصندوق النقد الدولي أن الناتج القومي السوري سينخفض هذا العام بمقدار 2.2 %. وهذا يعني إصابة المؤشر الأهم في الاقتصاد الكلي بخلل جسيم سيؤثر في كافة مؤشراته الاخرى, وما تعنيه على مستوى العلاقة بين اختلالات الاقتصاد الكلي واختلالات منظومة التحكم والسيطرة السياسية . ينتج عن ذلك محدودية فرص العمل الجديدة , مما يفاقم بطالة النازلين الجدد لسوق العمل الذين لا يقلون عن 400 ألف طالب عملا جديد سنوياً. وفي ظل العقوبات وتقلص الاستثمارات الداخلية والخارجية وارتفاع تكلفة المستوردات بسبب العقوبات واختلال سعر الصرف وتحول التظاهرات الاحتجاجية إلى اضطرابات عنيفة وعدم وجود منهج لدى الحكومة لإدارة الأزمة غير (الإطفائي), يصبح الاقتصاد أمام تحد البطالة الذي يبلغ 24.4% من قوة العمل.

وهذا قد يفسر غليان الحركة الاحجاجية في المناطق الفقيرة.

Kak-s@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك معنا برأيك

تقرير
مراقبون

الأكثر قراءة - الأكثر مشاركة

شبكة أخبار كيكان - موقع الخبر من موقع الحدث
شارك و انضم الى صفحتنل التفاعلية على الفيس بوك
جريدة كيكان نيوز

شبكة أخبار كيكان. جميع الحقوق محفوظة. - موقع أخباري سياسي كوردي مستقل ناطق باللغة العربية