
فهذا النظام وخلال أكثر من أربعة عشر شهراً من عمر الثورة السورية ، أثبت للقاصي والداني ، عدم جديته في التعاطي مع مطالب الشعب السوري المنتفض وتلبية أهداف الثورة واستحقاقاتها ، وحاول بجميع الوسائل والأساليب ، الالتفاف عليها وإجهاضها ، من خلال إدعائه بإجراء إصلاحات ، دستورية وتشريعية وإدارية... , والتي لم تتجاوز سقفها المسائل والنواحي الشكلية ، من جهة ، واستخدامه سياسة القمع واستعمال العنف والقوة المفرطة وارتكاب المجازر وجرائم القتل والتعذيب... ، بحق المواطنين السوريين الثائرين ضده ، من جهة أخرى ، في محاولة مستميتة لاستمرار بقائه وديمومته... ، مهما كانت النتائج كارثية ودموية.
وبإصراره على إجراء هذه الانتخابات ، ضمن الظروف والمناخات القائمة في البلاد ، حيث دباباته ومدافعه وآلياته العسكرية وأجهزته الأمنية وعناصر شبيحته ... ، تقتحم المدن والبلدات السورية المختلفة ، الواحدة تلو الأخرى ، وتعيث فيها فساداً وقتلاً وتعذيباً وترهيباً وتشريداً وتدميراً... ، يبرهن النظام مجدداً على مدى ما وصل إليه من طريق مسدود ، ومن دموية وسادية واستهتار ولا مبالاة لا مثيل لها ، بمصير الشعب السوري وبمصير الوطن السوري ككل.
وكما لم تكن دعوة النظام إجراء الانتخابات المذكورة غريبة ومفاجئة ، كذلك وبنفس القدر ، لم تكن غريبة أو مفاجئة ، تسابق المئات من المرشحين الذين فقدوا الحس الإنساني والوطني ، والمعروفين أصلاً بارتباطاتهم الأمنية وارتزاقهم وتسلقهم... ، لكسب ود النظام ورضاه ، على حساب دماء ولحوم أخوتهم في التراب التي غطت شوارع وأزقة وساحات المدن والبلدات... السورية على اختلافها ، في انتخابات هزلية قاطعها المعارضة السورية بجميع فصائلها وتياراتها وأطرها... ، علهم بذلك يظفرون برضى السلطان ، ويتم إدراج أسمائهم ضمن قوائم الظل ، المكملة لقوائم حزب الإجرام – البعث - وشركائه ، من أحزاب – الجبهة الوطنية التقدمية - المعروفة الآن وبعد إصلاحات النظام بـ قوائم - الوحدة الوطنية - والتي تعد وتجهز في مطابخ فروع الأجهزة الأمنية المختلفة ، ولا يظفر بها إلا المنافقين والفاسدين ، والذين لا يجيدون إلا لغة التصفيق ، هؤلاء الذين جردوا من كرامتهم ومن إنسانيتهم وآدميتهم ، لكي يصبحوا في النهاية أعضاء في مجلس لا يمت للشعب ومصالحه وحقوقه... بصلة لا من قريب ولا من بعيد ، ولا هم لهم إلا أن يقيضوا رواتبهم في نهاية الشهر وأن يكونوا أبواقاً للنظام ومبررين لجرائمه ومجازره البشعة بحق الشعب السوري.
وعدم الغرابة والمفاجئة من تصرف هؤلاء الأشخاص ، أن هذا النظام وخلال السنوات الطويلة من حكمه وسيطرته المطلقة والشمولية على مقاليد الأمور في البلاد ، استطاع أن يؤمن عدد هائل من الأشخاص المنتفعين منه والمرتبط وجودهم ومصيرهم مع وجود النظام ومصيره ، وكذلك فإن هؤلاء الأشخاص يعرفون تماماً ، أن النظام ورغم إدعائه وتبجحه بالإصلاح والديمقراطية والتعددية والتغيير... ، لم يخرج أبداً من عباءته القديمة وتسلطه المطلق ، ولا يزال يتصرف ويتعامل كما كان يتصرف ويتعامل قبل تاريخ الخامس عشر من أذار 2011 وبالتالي فأن الانتخابات التي يجريها ، لا تخرج عن كونها انتخابات صورية تماماً ولا تتعدى عن كونها مجرد ديكور وعملية شكلية لتجميل وجهه البشع.
أن الشعب السوري ، وبإعلانه لثورته المباركة ، مصمم على المضي في نضاله المشروع حتى تحقيق كامل أهدافه في الحرية والكرامة... وإسقاط النظام ، وبناء دولة ديمقراطية تعددية برلمانية... ، تصان فيها حقوق جميع القوميات والأديان والطوائف المتعايشة تاريخيا في البلاد ، وفق ما نصت عليه المواثيق والقوانين الدولية ومبادىء حقوق الإنسان ، وأن جميع محاولات النظام وأساليبه ووسائله... ، للتشبث بالسلطة وإرجاع عقارب الساعة للوراء ، بما في ذلك اللجوء إلى إجراء ما يسمى ( بالانتخابات ) ، لن تؤدي إلا إلى نتيجة واحدة ، وهي الانهيار والسقوط المحتوم ، وانتصار إرادة الشعب السوري الثائر في الحرية والعدالة والمساواة والعيش بكرامة وسلام وآمان.
* المحامي مصطفى أوسو ، سكرتير حزب آزادي الكردي في سوريا.