05‏/09‏/2012

سوريا والأكراد ورحلة الضياع التي لا تنتهي

شبكة أخبار كيكان -المهّرب يطلب 200 دولاراً، لكن جوان يساومه ويصل إلى 100 دولار. وبالطبع فهذا مبلغ كبير على هذا الشاب الكردي السوري البالغ من العمر 26 سنة، لكنه يتحرق شوقاً لعبور الحدود إلى العراق من سوريا. فقد مرت ثلاث سنوات منذ آخر مرة شاهد فيها أسرته.

ويقول الشاب الكردي وهو يسير وراء المهّرب في الليل، “كانت تلك أيام صعبة في سورية. فقد تم اعتقالي وتعرضت للتعذيب لمدة 27 يوماً بتهمة الانتماء إلى منظمة الشباب الجامعي”.

ويضيف، “لقد أطلقوا سراحي بعد أن دفع والدي 2000 دولاراً لضابط شرطة. وهربت إلى لبنان.. ووصلت أخيراً إلى إقليم كردستان العراق عن طريق تركيا”.

وكان مراسل وكالة إنتر بريس سيرفس قد إلتقى جوان في نقطة إلتقاء الحدود التركية والعراقية والسورية. وتقع هذه النقطة على بعد 450 كيلومتراً شمال غربي بغداد، وعلى بعد 550 كم جنوب شرق أنقرة، و800 كم شمال شرق دمشق.

هذا وينتشر الأكراد عديمي الجنسية عبر تركيا وإيران والعراق وسوريا، ويبلغ عددهم نحو 40 مليون نسمة. ويعيش حوالي نصفهم على الأراضي التركية، بينما يعيش ما بين اثنين إلى أربعة ملايين كردي في شمال شرق سوريا.

وبعد موجة من الإحتجاجات في أواخر يوليو، خفف الرئيس السوري بشار الأسد قبضته على المنطقة الكردية في سوريا. وتردد القيادات الكردية المحلية الآن أنها تسيطر على نصف أراضيها، بما في ذلك المراكز الحدودية مع إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بالحكم الذاتي.

هذه هي المنطقة التي يرغب جوان في العودة إليها.

بعد بضع دقائق بهرت اعيننا أضواء البيشمركة -قوات إقليم كردستان العراق العسكرية. ولم يبدو أن جوان أو دليله يشكلان أي خطر، لذلك سمح لهما بالسير نحو الضوء الواقع على بعد بضع مئات من الأمتار. وكان يبدو أن هذه هي أول نقطة تفتيش على الجانب السوري.

وفي وسط الظلام، في منتصف الطريق عبر “المنطقة الحرام”، شاهدنا شاحنة ومحركها يدور لكن أضوائها مطفأة. وعرف السائق ورفيقه على أنفسهما بأنهما “مقاتلي (حزب العمال الكردي)”، وهو الذي يقاتل ضد تركيا منذ عام 1984.

وأوضح أحد المقاتلين الذي يحمل بندقية على كتفه، “علينا أن ننتظر هنا، سيأتي شخص آخر”. وبعد بضع دقائق، خرجت مجموعة من الرجال من الظلام لتحميل حقائب وصناديق على الشاحنة.

وتقول أسماء، 50 عاماً، وهي تشير إلى حقيبتها في المقعد الأمامي من السيارة، “هذا هو كل ما لدي. فعندما غادرت سوريا أقسمت أنني لن أعود مرة أخرى حتى يحكم الشعب الكردي أرضه”.

وتضيف، “هربت من بيتي عبر هذه المنطقة نفسها قبل 32 عاماً، وكنت لا أزال أرضع إبنتي الصغيرة. لكنها لن تكون قادرة على رؤية مسقط رأسها لأنها ماتت قبل عامين وهي تقاتل ضد الجيش التركي في الجبال”.

أما رفيق فقد ضجر من الإنتظار لساعات طويلة في نقطة أخرى على الطريق لإلتقاط شقيقه جوان. وبعد أن سلما على بعضهما البعض بقبلة على الخد الأيسر وثلاث قبلات على الأيمن بحسب العادات المحلية، يقول شقيق جوان: “طريق العودة للوطن آمنة، ولا داعي للقلق حول أي شيء”.

وفي الواقع لا تتوفر أرقام موثوق بها حتى الآن بشأن عدد الأكراد العائدين إلى سوريا. ويقول البعض انهم عائدون لفترة قصيرة فقط بسبب الإستقرار الجديد النسبي في المنطقة حيث يبدو الآن أن الأكراد هم الذي يديرونها.

بالكاد تمر سيارات على الطريق. ويقول جيوان، “كثير من هذه الأراضي كانت لنا ولكن عائلة الأسد -الحاكمة في سوريا- أعطتها للأسر العربية من جنوب البلاد. فهذه المنطقة غنية أيضاً بالذهب”.

وكان مجيء حزب البعث الى السلطة في عام 1963 قد أدى إلى سياسة التعريب التي جاءت ضد الأكراد في سوريا، وهو البلد الذي يحتوي ثاني أكبر مجموعة عرقية.

وهكذا تم حظر اللغة الكردية، وحرم الكثير من الأكراد من الجنسية السورية. كما تم ترحيل عدد من الأكراد وإنشاء مستوطنات عربية في المناطق الكردية.

واليوم يتم رش الألوان الكردية -الأخضر والأحمر والأصفر- على الجدران والجداريات. ويرفرف العلم الكردي علي مدخل جيركيليج ( كركي لكي)، على بعد 35 كيلومتراً من الحدود العراقية و15 كم من الحدود التركية، مما يدل على أن الوضع قد تغير إلى حد كبير خلال الأشهر الماضية.

“فهذه المنطقة هي تحت السيطرة الكاملة للأكراد”، حسبما يقول أحد المقاتلين الذين يحرسون نقطة تفتيش في المدخل الشرقي لجيركيليج ( كركي لكي).

وبدوره يقول صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، لوكالة إنتر بريس سيرفس أن الأكراد السوريين لم يتفاوضوا على أي هدنة مع حكومة بشار الأسد. ويضيف، “نحن المجموعة العرقية الثانية في سوريا، وببساطة دمشق لن ترغب في فتح جبهة أخرى مع الأقليات على أرضها”.

ويعتقد الكثيرون أن النظام السوري يستخدم التهديد بوجود منطقة كردية سورية تتمتع بحكم ذاتي، وذلك لتوسيع الصراع مع تركيا.

والواقع المعيشي في جيركيليج ( كركي لكي) هو على عكس صور الدمار في دمشق. فالموسيقى الكردية تنطلق بصوت عال من المحلات التجارية والمقاهي.

وبعد منتصف الليل، يجري العمل في فتح المقر الجديد لأحد الأحزاب السياسية الكردية ( الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا) التي عملت في الخفاء على مدى عقود طويلة. وبالرغم من كل الصعاب، فيبدو أن الأكراد قد وجدوا حريتهم الجديدة في الوضع الحالي.

“سمعت عن هذا كله .. لكنني ما زلت لا أصدق ما أراه”، كما يقول جوان مبتهجاً وهو يشتري كيلو من الحلويات لعائلته، بالعملة السورية للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات.

أما والدته فتتدفق الدموع من عينيها وهي تعانق إبنها مرة أخرى. فقد أخذها وصوله حين غرة، كما لم يكن جيوان يتوقع رؤية أقاربه من دمشق. فيقول عمه، “وصلنا إلى هنا قبل أيام قليلة. وكان القصف شديد من كلا الجانبين لذلك نحن لم نستطع البقاء هناك”.

وتقول عمة جوان، “قبل عشرون عاماً إنتقلنا من هنا إلى دمشق بحثاً عن حياة أفضل.. أما اليوم فلا نعرف متى سنعود”.

بقلم كارلوس زوروتزا
وكالة إنتر بريس سيرفس- آي بي إس

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك معنا برأيك

تقرير
مراقبون

الأكثر قراءة - الأكثر مشاركة

شبكة أخبار كيكان - موقع الخبر من موقع الحدث
شارك و انضم الى صفحتنل التفاعلية على الفيس بوك
جريدة كيكان نيوز

شبكة أخبار كيكان. جميع الحقوق محفوظة. - موقع أخباري سياسي كوردي مستقل ناطق باللغة العربية