شبكة أخبار كيكان -تعود العلاقات الروسية – السورية إلى ما قبل ولادة الرئيس السوري بشار الأسد, وهي علاقات اقتصادية تنامت منذ بناء سد الفرات في شمال سوريا بدعم وتخطيط وخبرة روسية, وهي علاقات عسكرية كذلك, تطورت من شراء الأسلحة الروسية والعتاد الذي احتاج إليه الجيش السوري باستمرار إلى شراء أحدث الصواريخ الدفاعية والدبابات وطائرات ميغ الاحدث نماذجاً وتقنية, وبخاصة منذ هزيمة العرب الكبرى في حرب حزيران 1967م أمام اسرائيل, ووصل الأمر إلى تحويل سوريا إلى أحد أكبر الزبائن للسلاح الروسي وذخائره المتنوعة, وإلى جهة الاستعانة الدائمة بطابور كبير من الخبراء الروس وجعل بلاد الشام منطقة استخباراتية روسية هامة للغاية للتنصت والاستطلاع والعمليات السرية في الشرق الأوسط, وبالتالي جعل مدينة طرطوس الساحلية قاعدة للأسطول الروسي الذي كان يطمح على الدوام بمحطة له على سواحل البحر الأبيض المتوسط। وهذه العلاقات الساخنة والطويلة الأمد منحت الروس امكانية الاقتراب الكلي من مركز القرار السياسي للنظام الحاكم في سوريا, وذلك بذريعة دعم الصداقة وتقوية التحالف الاستراتيجي للرفاق الأمميين, رغم تحول روسيا من وضع الشيوعية إلى هذا الوضع المختلف كثيراً عن الشيوعية, وبالتالي تمكن الروس من تشديد قبضتهم على عنق النظام السوري الذي يدين لهم بالكثير من أموال الديون المتراكمة وفوائدها المتعاظمة, والذي يستعين بهم من مختلف النواحي ومنها الناحية الأمنية بشكل خاص. ومنذ تحول الثورة الشعبية السلمية في سوريا إلى ثورة مسلحة تحت ضغط الارهاب الحكومي للنظام وروسيا في سعيها المتواصل لدى الهيئات الدولية إلى الظهور بمظهر محامي الدفاع لنظام الأسد, ووزير خارجيتها لافروف يدلي بتصريحات يومية في الدفاع عن النظام المترنح في دمشق, حتى أصبح وزير خارجية سوريا وكأنه غير موجود, في حين أن العالم ينظر إلى لافروف وكأنه المندوب السامي لروسيا في دمشق.
ولقد منحت أوضاع وظروف الثورة السورية الروس فرصة استغلال وتحقيق مكاسب كبيرة من ناحيتين:
- بيع مزيد من السلاح إلى نظام الأسد وجعله يئن مزيداً تحت الديون, لدرجة أنه لايستطيع الخروج من تحت سيطرة الروس إلى الأبد, وبالتالي تحويل سوريا إلى مستعمرة غير معلنة لروسيا على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
- استعادة روسيا لمركزها كقوة عظمى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في المجتمع الدولي, بعد أن فقدت تلك المكانة على أثر انهيار النظام السوفييتي وتفتته إلى العديد من الدول والأقاليم المتنافرة المتمردة على أوامر موسكو.
طبعاً لن تتخلى روسيا عن كل هذه المصالح والمواقع التي احتلتها بسبب سياسات العائلة الأسدية, حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير غالبية المدن السورية وتهجير معظم السوريين وتحطيم كل أسلحة النظام وخلو مخزوناته من الذخيرة, وتقتيل كل شعبه, فالروس لايحسبون -كما يبدو- لدماء البشر أي حساب, وما ارتكبوه من مجازر وحشية في الشيشان أو ما غضوا عنه النظر كما حدث في البوسنة والهرسك على أيدي نظام ميلوزوفيتش, حليفهم وصديقهم, وما يجري يومياً في سوريا من جرائم ضد الإنسانية على أيدي تابعهم السوري, دليل على أنهم يضعون مصالحهم الاستراتيجية فوق كل اعتبار آخر.
إلا أن الانتصارات المتلاحقة للثورة السورية, على الصعيدين السياسي والعسكري, في الشهور الأخيرة, وتمكن الثوار من تسديد ضربات موجعة للنظام في أكبر مدينتين سوريتين, حلب ودمشق, اللتين كان النظام يعتقد دعمهما له, قد أحرج الروس وأوقعهم في حبائل سياساتهم الخاطئة والداعمة لمن لم يتمكن من فهم جدلية الثورة والتاريخ, وهو أضعف من أن يكون رئيساً على مستوى أحداث بلاده وما يجري في منطقته, بعد نجاح عدة ثورات على أنظمة أقوى من نظامه. مما أجبرهم على التراجع واللجوء إلى الخداع الذي مارسوه تاريخياً بشكل اعتيادي في حروبهم وخصوماتهم السياسية, وبخاصة فإن العالم الحر الديموقراطي والمجموعة العربية ومعها تركيا اقتنعوا تماماً بأن روسيا لا تتصرف حيال الأزمة السورية من مستوى الدولة الكبيرة المدركة لمسؤولياتها الدولية تجاه الشعوب وحقها في الحرية وتقرير مصيرها بنفسها, وانما تتصرف بدوافع استراتيجية ومنفعة خاصة بها.
لقد وجدت روسيا نفسها أخيراً في موقف العضو المهمش ضمن المجتمع الدولي, الذي لايقف معه سوى الصين وايران وشمال كوريا. كما أن روسيا لن تتخلى عن مصالحها الكبيرة والواسعة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والدول العربية الغنية بالنفط وهي أسواق واسعة من أجل البقاء على نظام لم يعد قادراً على معالجة شؤون بلاده ويعاني من ثورة الشعب عليه ونهايته تقترب بسرعة. ومعلوم عن الدول العظمى أنها تضحي بحلفائها الصغار عندما لاتستطيع الاحتفاظ بهم. هذا بالضبط فعلته الولايات المتحدة بحلفائها الفييتناميين الجنوبيين أيضاً فيما مضى.
ومن أشكال الخداع المعروفة لدى الثعالب مثلاً, هي التظاهر بأنها قاب قوسين أو أدنى من الموت, حتى تقترب منها الضحية فتنقض عليها بسرعة مدهشة, مغتنمةً فرصة انخداع الضحية بتظاهرها الشكلي ذاك. وها هي الدبلوماسية الروسية تقول بأن الأسد السوري بات لوحده لأن أركان نظامه قد قتلوا نتيجة انفجار كبير في مقر أمنه القومي, وشقيقه ماهر الاسد الذي يترأس الفرقة الدموية (الرابعة) كسيح في غرفة العلاج, وعليه فإن الأسد ضعيف ومستعد للحوار الآن مع كل أطراف المعارضة, درءاً لمزيد من سفك الدماء السورية... وقد سارعت هيئة التنسيق الوطني أو أطراف وشخصيات محددة منها بطرح "عرض حال" والقول بأنها أيضاً لاتريد مزيداً من سفك الدماء وهي مستعدة لحوار يخرج البلاد من الكارثة المحدقة, ولابد أن البعض من "الأغبياء" سيصدقون أن ما تنثره الدبلوماسية الروسية بالتنسيق مع منسقين سوريين من عبارات زائفة لحوار بين المعارضة والنظام قابل للتحقيق, وكأن بقية أطراف المعارضة راغبة في استمرار التقتيل والتدمير في سوريا, وهكذا يضرب الروس عدة عصافير بحجرة واحدة:
- منح الأسد فرصة أخرى لدوام حربه التي يشنها منذ شهورٍ عديدة بمختلف أنواع السلاح على شعبه, بعد أن فشلت كل مساعي السلام العربية والدولية وانتهت كل المدة الممنوحة له مرة تلو الأخرى.
- التقدم خطوة في المساعي من أجل شق صفوف المعارضة السورية وعزل الجيش السوري الحر بفقاعات دبلوماسية كبيرة لاقيمة لها.
- الظهور بمظهر العامل من أجل وقف سفك الدماء السورية على الرغم من أن روسيا استخدمت حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي 3 مرات حتى حيال إدانة أدبية وخلقية لقمع النظام ودمويته وجرائمه ضد الإنسانية.
- محاولة إظهار روسيا وكأنها لاتزال سيدة الموقف في الشرق الأوسط, وهي وحدها القادرة على اقناع الأسد باعلان استسلامه, في حين أن الظنون تحوم حول مدى قدرة الأسد على رفض املاءات موسكو وطهران في وضعه الحالي الآن.
- الانتقال بعد ذلك إلى رسم ملامح سوريا ما بعد الأسد أو المشاركة في ذلك على قدم وساق مع العالم الغربي والعالم العربي والشعب السوري.
ولكن أعتقد أن عقلاء وخبراء الغرب يدركون تماماً أن روسيا صارت محصورة في مربع ضيقٍ للغاية بسبب سياستها السورية هذه, وعليها أن تعترف بذلك وتتراجع وتعتذر للشعب السوري والمجتمع الدولي, وإن ايران والصين يعلمان تماماً أنهما وقعا في حبائل سياسة روسية فاشلة, وأن الغرب لن ينظر باستمرار من موقف المتفرج إلى ما يجري في سوريا من مذابح يومية, بحيث تتحرك هذه البلاد صوب مستنقعٍ مليء بالدموع والدماء وأشلاء البشر وقد تتحول كلياً إلى ساحةً لحربٍ اقليميةٍ واسعة وتغذي نمو إرهابٍ لايحمد عقباه. وإذا ما تحرك الغرب كما فعل أثناء الثورة الليبيية فإن دور الروس سينكمش وخططهم ستذهب أدراج الرياح, ولن يبقى لهم أثر واضح في سوريا.
ولقد منحت أوضاع وظروف الثورة السورية الروس فرصة استغلال وتحقيق مكاسب كبيرة من ناحيتين:
- بيع مزيد من السلاح إلى نظام الأسد وجعله يئن مزيداً تحت الديون, لدرجة أنه لايستطيع الخروج من تحت سيطرة الروس إلى الأبد, وبالتالي تحويل سوريا إلى مستعمرة غير معلنة لروسيا على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
- استعادة روسيا لمركزها كقوة عظمى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في المجتمع الدولي, بعد أن فقدت تلك المكانة على أثر انهيار النظام السوفييتي وتفتته إلى العديد من الدول والأقاليم المتنافرة المتمردة على أوامر موسكو.
طبعاً لن تتخلى روسيا عن كل هذه المصالح والمواقع التي احتلتها بسبب سياسات العائلة الأسدية, حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير غالبية المدن السورية وتهجير معظم السوريين وتحطيم كل أسلحة النظام وخلو مخزوناته من الذخيرة, وتقتيل كل شعبه, فالروس لايحسبون -كما يبدو- لدماء البشر أي حساب, وما ارتكبوه من مجازر وحشية في الشيشان أو ما غضوا عنه النظر كما حدث في البوسنة والهرسك على أيدي نظام ميلوزوفيتش, حليفهم وصديقهم, وما يجري يومياً في سوريا من جرائم ضد الإنسانية على أيدي تابعهم السوري, دليل على أنهم يضعون مصالحهم الاستراتيجية فوق كل اعتبار آخر.
إلا أن الانتصارات المتلاحقة للثورة السورية, على الصعيدين السياسي والعسكري, في الشهور الأخيرة, وتمكن الثوار من تسديد ضربات موجعة للنظام في أكبر مدينتين سوريتين, حلب ودمشق, اللتين كان النظام يعتقد دعمهما له, قد أحرج الروس وأوقعهم في حبائل سياساتهم الخاطئة والداعمة لمن لم يتمكن من فهم جدلية الثورة والتاريخ, وهو أضعف من أن يكون رئيساً على مستوى أحداث بلاده وما يجري في منطقته, بعد نجاح عدة ثورات على أنظمة أقوى من نظامه. مما أجبرهم على التراجع واللجوء إلى الخداع الذي مارسوه تاريخياً بشكل اعتيادي في حروبهم وخصوماتهم السياسية, وبخاصة فإن العالم الحر الديموقراطي والمجموعة العربية ومعها تركيا اقتنعوا تماماً بأن روسيا لا تتصرف حيال الأزمة السورية من مستوى الدولة الكبيرة المدركة لمسؤولياتها الدولية تجاه الشعوب وحقها في الحرية وتقرير مصيرها بنفسها, وانما تتصرف بدوافع استراتيجية ومنفعة خاصة بها.
لقد وجدت روسيا نفسها أخيراً في موقف العضو المهمش ضمن المجتمع الدولي, الذي لايقف معه سوى الصين وايران وشمال كوريا. كما أن روسيا لن تتخلى عن مصالحها الكبيرة والواسعة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والدول العربية الغنية بالنفط وهي أسواق واسعة من أجل البقاء على نظام لم يعد قادراً على معالجة شؤون بلاده ويعاني من ثورة الشعب عليه ونهايته تقترب بسرعة. ومعلوم عن الدول العظمى أنها تضحي بحلفائها الصغار عندما لاتستطيع الاحتفاظ بهم. هذا بالضبط فعلته الولايات المتحدة بحلفائها الفييتناميين الجنوبيين أيضاً فيما مضى.
ومن أشكال الخداع المعروفة لدى الثعالب مثلاً, هي التظاهر بأنها قاب قوسين أو أدنى من الموت, حتى تقترب منها الضحية فتنقض عليها بسرعة مدهشة, مغتنمةً فرصة انخداع الضحية بتظاهرها الشكلي ذاك. وها هي الدبلوماسية الروسية تقول بأن الأسد السوري بات لوحده لأن أركان نظامه قد قتلوا نتيجة انفجار كبير في مقر أمنه القومي, وشقيقه ماهر الاسد الذي يترأس الفرقة الدموية (الرابعة) كسيح في غرفة العلاج, وعليه فإن الأسد ضعيف ومستعد للحوار الآن مع كل أطراف المعارضة, درءاً لمزيد من سفك الدماء السورية... وقد سارعت هيئة التنسيق الوطني أو أطراف وشخصيات محددة منها بطرح "عرض حال" والقول بأنها أيضاً لاتريد مزيداً من سفك الدماء وهي مستعدة لحوار يخرج البلاد من الكارثة المحدقة, ولابد أن البعض من "الأغبياء" سيصدقون أن ما تنثره الدبلوماسية الروسية بالتنسيق مع منسقين سوريين من عبارات زائفة لحوار بين المعارضة والنظام قابل للتحقيق, وكأن بقية أطراف المعارضة راغبة في استمرار التقتيل والتدمير في سوريا, وهكذا يضرب الروس عدة عصافير بحجرة واحدة:
- منح الأسد فرصة أخرى لدوام حربه التي يشنها منذ شهورٍ عديدة بمختلف أنواع السلاح على شعبه, بعد أن فشلت كل مساعي السلام العربية والدولية وانتهت كل المدة الممنوحة له مرة تلو الأخرى.
- التقدم خطوة في المساعي من أجل شق صفوف المعارضة السورية وعزل الجيش السوري الحر بفقاعات دبلوماسية كبيرة لاقيمة لها.
- الظهور بمظهر العامل من أجل وقف سفك الدماء السورية على الرغم من أن روسيا استخدمت حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي 3 مرات حتى حيال إدانة أدبية وخلقية لقمع النظام ودمويته وجرائمه ضد الإنسانية.
- محاولة إظهار روسيا وكأنها لاتزال سيدة الموقف في الشرق الأوسط, وهي وحدها القادرة على اقناع الأسد باعلان استسلامه, في حين أن الظنون تحوم حول مدى قدرة الأسد على رفض املاءات موسكو وطهران في وضعه الحالي الآن.
- الانتقال بعد ذلك إلى رسم ملامح سوريا ما بعد الأسد أو المشاركة في ذلك على قدم وساق مع العالم الغربي والعالم العربي والشعب السوري.
ولكن أعتقد أن عقلاء وخبراء الغرب يدركون تماماً أن روسيا صارت محصورة في مربع ضيقٍ للغاية بسبب سياستها السورية هذه, وعليها أن تعترف بذلك وتتراجع وتعتذر للشعب السوري والمجتمع الدولي, وإن ايران والصين يعلمان تماماً أنهما وقعا في حبائل سياسة روسية فاشلة, وأن الغرب لن ينظر باستمرار من موقف المتفرج إلى ما يجري في سوريا من مذابح يومية, بحيث تتحرك هذه البلاد صوب مستنقعٍ مليء بالدموع والدماء وأشلاء البشر وقد تتحول كلياً إلى ساحةً لحربٍ اقليميةٍ واسعة وتغذي نمو إرهابٍ لايحمد عقباه. وإذا ما تحرك الغرب كما فعل أثناء الثورة الليبيية فإن دور الروس سينكمش وخططهم ستذهب أدراج الرياح, ولن يبقى لهم أثر واضح في سوريا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شارك معنا برأيك