06‏/05‏/2012

يوهانس رايسنر : 'إخوان' سوريا..فشلٌ في الدين وفي السِّياسة

شبكة أخبار كيكان - المقال ملخص لكتاب يوهانس رايسنر 'الحركات الإسلامية في سوريا'، قراءة رشيد الخيون، ضمن الكتاب الثاني والثلاثين (أغسطس 2011) 'الإخوان المسلمون في سوريا' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث ـ دبي.
 - إن كثرت الدراسات حول تاريخ تنظيم إخوان المسلمين بمصر، تجدها قليلة حول تنظيم وبرامج فروعهم بسوريا، أو العراق، أو اليمن، أوالسودان. أقصد دراسات مستفيضة لها وزن وحجم كتاب يوهانس رايسنر.

ومهما استقلت فروع الإخوان خارج مصر فتبقى مرتبطة بالأصل، الذي أسسه حسن البنا (1928)، وعمل جاهداً لنشره بالبلدان الأخرى، عبر طلبة الأزهر المغتربين، أو المبشرين المعتمدين لهذه المهمة.

وبما أن التبشير بالفكر الإخواني لا ينفصل عن التعليم الديني، وتمويه السياسة بالدين، لذا انتشر في العديد من البلدان العربية من دون أن يلفت النظر في بداياته، ولم يظهر تشدد الحكومات ضده إلا بعد اتساع رقعة الانتشار، وإعلان المبادئ السياسية والاجتماعية، والتدخل العلني في الشأن السياسي.

وبطبيعة الحال يسرَ تمويه السياسة بالدين للإخوان استخدام المساجد والمحافل والمناسبات الدينية، والجمعيات الخيرية حتى التمكن والظهور بشكل مكشوف ومؤثر.

يُطرح السؤال عن تسمية الحركة بالإخوان، هل هي امتداد للإخوان بالجزيرة العربية في العشرينيات، أو استعارها إسلاميو مصر منهم.

هنا يجيب مؤسسهم حسن البنا عما إذا كان جماعته تشكل حزباً أو جمعية أو طريقة أو نقابة "كله ليس مهماً، إنما المهم أننا جميعاً أخوة في خدمة الإسلام".

إلا أن هناك ما يعترض هذه التسمية بمعناها العام، فهي خاصة بالمسلمين كافة، بينما ظهر إخوان المسلمين جماعة متمايزة داخل الأخوة الإسلامية، ولا بد أن يجري تشخصيها بكيان ما: إتحاد أو حزب أو تنظيم..إلخ. لم ينتظر الآخرون فتوى من الإخوان في شأنهم حتى شاع كيانهم بحزب إخوان المسلمين.

ومعلوم أن محاولة البقاء من دون تحديد شكل التنظيم يقصد به الابتعاد عن التحجيم، وامكانية الاستمرار بتمويه السياسي الحزبي بالديني أو العكس. فهناك فارق كبير في الحجم والانتشار بين أن يكون التنظيم، على حد ما اقتبسة المؤلف من فاخ، "جماعة إخوة دينية" وبين أن يعرفوا بإخوان المسلمين.

قال المؤلف حول تصنيفهم "إن تصنيف الإخوان المسلمين في زمرة التجمعات الدينية يجب أن يتم من خلال الجمعية. وهنا يكمن البعد التاريخي لذلك. إذ أن تصنيفهم كإخوان ليس دقيقياً بل مغاير للواقع".

مثلَ التنظيم الأصل أو الأم، بدأ تنظيم إخوان المسلمين بسوريا عبر تأسيس الجمعيات، وقد يصل التشابه إلى أبعد من ذلك، فعلى "الرغم من أن الإخوان المسلمين في مصر كانوا بمثابة المثل المحتذى للإخوان المسلمين في سورية إلا أنه يمكن اعتبار هؤلاء بأنهم مجرد استيراد مصري".

وأبرز تلك الجمعيات هي "الجمعية الغراء"، التي أثارت اهتمام الانتداب البريطاني العام 1942، حتى أطلقوا عليها اسم "الحزب السوري".

وتبقى تلك الجمعية فاعلة كستار لنشاط الإخوان بسوريا، وعاملة ومؤثرة في السوق، وكان من نفوذها بين التجار الصغار، أصحاب الدكاكين، أو الكسبة أن استطاعت السنة 1944 إغلاق الأسواق، بسبب حفل نسوي قامت به نساء الطبقة الراقية بدمشق تضمن فقرة راقصة.

وتفاقم الموقف ليتحول إلى قضية سياسية، دخلت فيها الحكومة طرفاً. وجاء في تقرير بريطاني "أن الجمعية الغراء تتدخل في السياسة بفضل تأثيرها على السذج من الشعب، واثارتها للعصبية الدينية لدى المسلمين، وتنظيم المظاهرات ضد الحكومة للاحتجاج ضد الترخيص الممنوح من الحكومة"( ص119).

كان الجانب الأخلاقي الديني، أوالالتزام الديني، أحد مجالات نشاط الجمعيات الإخوانية، وهو مجال خصب لإثارة العامة ضد أحزاب أخرى أو ضد الحكومة نفسها.

حاول المؤلف إيجاد الخيوط الأولى لنشأة الإخوان المسلمين بسوريا، وهنا يطرح اسم مفتي القدس أمين الحسيني، الذي له الفضل بإرشاد أعضاء من إخوان المسلمين بمصر إلى جماعة "الهداية الإسلامية" بدمشق.

ويأتي على شرخ من تاريخ حياة الحسيني، الذي اعتقلته السلطات الفرنسية، وفر من السجن بمساعدة الإخوان.

وما ليس في الكتاب فرَّ الحسيني من سجنه، واستقر في ما بعد بالعراق، ليتهم هو وجماعة من المدرسين السوريين والفلسطينيين للتحريض ضد يهود العراق، ودفعهم للهجرة إلى إسرائيل، بتنسيق مع إنقلاب رشيد عالي الكيلاني ببغداد، والتعاون مع ألمانيا النازية (محضر التحقيق الرسمي في أحادث فرهود 1941).

لكن اتجاه الإخوان السوريين كان ضد الصهيونية، وليس ضد اليهود، ولهم محاولات في التعاون مع الإتحاد السوفيتي إذا ما وقف ضد إسرائيل.

هنا تأتي زيارة عميدهم مصطفى السباعي لروسيا، وبداية حديثه عن إشتراكية إسلامية، لمواجهة شعبية الحزب الشيوعي السوري بسبب المناداة بالإشتراكية. ولتحقيق هذا الغرض كتب أحد أعضائهم البارزين، محمد المبارك، في جريدتهم "المنار" (1949): "أنه يجب القضاء على الروح الشيوعية من خلال نظام اشتراكي إسلامي، كما يحدث ذلك اليوم في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة التي تستند قوانينها الاقتصادية إلى قاعدة اشتراكية".

وحسب ما اقتبسه المؤلف من باحث آخر "كان الإعلان عن اشتراكية الإسلام بمثابة عامل امتصاص للنشاطات الاشتراكية".

عموماً، لم يقتصر أمر التظاهر بإعلان الإشتراكية، بعد نسبتها، على الإخوان المسلمين، فمصر الناصرية أخذت تتحدث عن إشتراكية عربية، والسبب أنها كانت محط جذب للطبقات الدنيا، وهي حلمهم في المساواة.

مثل الحزب الشيوعي السوري وأحزاب سورية أخرى، بسبب علمانيتها ورفضها في تدين الدولة وأسلمتها وجعل القانون وفقاً للشريعة الإسلامية، أبرز المتصدين لنشاط الإخوان. لكن تأثير هؤلاء وسط طبقة الكسبة والطبقة الوسطى بشكل عام جعلهم ينجحون في القرب من السلطة، وأن يوصلوا أعضاءهم إلى مراكز قيادية في الدولة، وبذلك حققوا ما لم يكن متوقعاً لهم.

فبعد أن قدم أمينهم مصطفى السباعي كلمة برلمانية طلب فيها: أن يثبت في الدستور دين الدولة الإسلام، أخذت المناقشات تحتد حول هذه القضية، وحجتهم في ذلك أن الإسلام هو دين الأغلبية. وكان ردهم على مَنْ يرى في الحدود الدينية غير مناسبة لروح العصر أنهم لم يربطوا بين أن يكون الإسلام ديناً للدولة وبين الحدود والعقوبات، وتنفيذ الشريعة عموماً، لأن الإسلام من السماحة أن لا يجعل طريقاً إلى تلك العقوبات إلا بعد تحقيق مساواة كاملة في المجتمع.

وكان من حملاتهم الدعائية في هذا الشأن، صدور عدد خاص من جريدة "المنار" يحتوي على الاستفتاء حول: تحديد الدستور لدين الدولة الرسمي الإسلام، واهتداء لجنة كتابة الدستور بالقرآن، لأنه أحد المصادر الشرعية المعترف بها دولياً، أي اعتراف محكمة العدل بلاهاي به، وحول اعتبار الإسلام مذهباً يغطي جميع مرافق الحياة.

لكن ما يعترض اعتبار دين الدولة الإسلام أن هناك مسيحيين ويهوداً، فهل يجري التعامل معهم بشروط أهل الذمة، وقد رفع العثمانيون، ثم الحكومات التي أتت بعدهم تلك الشروط، وأصبح التعامل معهم على أساس المواطنة؟

إلى جانب ذلك للأخوان رأي صريح ضد الدعوة لقيام سوريا الكبرى، التي نادى بها الملك عبد الله بن الحسين، وكانوا مع سوريا الطبيعية. فالأولى لا تشمل لواء الأسكندرون، الذي تسيطر عليه تركيا، ولا ماخلف جبال طوروس ومناطق أخرى، كذلك لا تشمل مناطق من فلسطين. ورأيهم: إن لم تتحقق سوريا الكبرى فهم يرون في التوزيع السياسي لدول المنطقة الأفضلية.

وبعد أن لعب الإخوان دوراً علنياً في السياسة السورية، منذ ظهورهم عن طريق الجمعيات ثم عن طريق تنظيمهم الخاص في الأربعينيات، بين اشتراكهم في الحكومات، أو وصول المحسوبين عليهم إلى سدة الحكم ورئاسة البرلمان، حرم عملهم بعد إعلان الدكتاتورية، عندما حل أديب الشيشكلي البرلمان وصادر الحريات السياسية. وبعد سنوات تتراوح بين السرية والعلنية تعرضوا إلى مطاردة من قبل حكومة الوحدة المصرية ـ السورية، على خلفية مطاردة تنظيمهم الأم بمصر.

ظلت الحال على ما هي عليه في ظل حكومات البعث، التي بدأت من السنة 1963، وحتى يومنا هذا. لجأ الإخوان السوريون إلى العنف في أكثر من مناسبة، هذا وأن العمل السياسي، الذي مارسه الإخوان بمصر وسوريا، لم يكن خالياً من ممارسة العنف ضد الأحزاب الأخرى، فاغتيال مرشدهم الأول حسن البنا كان امتداداً لعمليات اغتيال مارسها تنظيمهم ضد الآخرين.

تنبعث مخاوف المثقفين السوريين اليوم من أن يأتي الإخوان إلى الحكم، بعد مرحلة البعث، يؤكد حضورهم السياسي، وما العمل الخيري والمحافل الصوفية سوى محطات آمنة للأنتظار والترقب.

وإن تحقق ذلك كم يبدو الأمر ملتبساً، أن يستغل الإخوان الضغط وربما التدخل الأميركي ليقفزوا على السلطة عبر انتخابات نتيجتها مضمونة لهم، ضمن التدهور الفكري والثقافي وانتشار الفكر السلفي، بعد أن قضوا حوالي قرن من الزمان في الهتاف والعمل ضد أميركا والإمبريالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شارك معنا برأيك

تقرير
مراقبون

الأكثر قراءة - الأكثر مشاركة

شبكة أخبار كيكان - موقع الخبر من موقع الحدث
شارك و انضم الى صفحتنل التفاعلية على الفيس بوك
جريدة كيكان نيوز

شبكة أخبار كيكان. جميع الحقوق محفوظة. - موقع أخباري سياسي كوردي مستقل ناطق باللغة العربية